باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن وقوله تعالى: {وإن تظاهروا عليه }


(1479/30)- عَنْ عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا اعْتَزَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ نِسَاءَهُ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ, فَإِذَا النَّاسُ يَنْكُتُونَ بِالْحَصَى وَيَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ نِسَاءَهُ, وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرْنَ بِالْحِجَابِ. فَقَالَ عُمَرُ: فَقُلْتُ: لَأَعْلَمَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ. قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ, فَقُلْتُ: يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ أَقَدْ بَلَغَ مِنْ شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ؟ فَقَالَتْ: مَا لِي وَمَا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ عَلَيْكَ بِعَيْبَتِكَ. قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ. فَقُلْتُ لَهَا: يَا حَفْصَةُ, أَقَدْ بَلَغَ مِنْ شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ؟ وَاللهِ, لَقَدْ عَلِمْتِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ لَا يُحِبُّكِ, وَلَوْلَا أَنَا لَطَلَّقَكِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ, فَبَكَتْ أَشَدَّ الْبُكَاءِ. فَقُلْتُ لَهَا: أَيْنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ؟ قَالَتْ: هُوَ فِي خِزَانَتِهِ فِي الْمَشْرُبَةِ, فَدَخَلْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَبَاحٍ غُلَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَاعِداً عَلَى أَسْكُفَّةِ الْمَشْرُبَةِ, مُدَلٍّ رِجْلَيْهِ عَلَى نَقِيرٍ مِنْ خَشَبٍ- وَهُوَ جِذْعٌ يَرْقَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ وَيَنْحَدِرُ- فَنَادَيْتُ: يَا رَبَاحُ, اسْتَأْذِنْ لِي عِنْدَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ, فَنَظَرَ رَبَاحٌ إِلَى الْغُرْفَةِ ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ, فَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً. ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَبَاحُ, اسْتَأْذِنْ لِي عِنْدَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ, فَنَظَرَ رَبَاحٌ إِلَى الْغُرْفَةِ ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً. ثُمَّ رَفَعْتُ صَوْتِي فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ اسْتَأْذِنْ لِي عِنْدَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ, فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ ظَنَّ أَنِّي جِئْتُ مِنْ أَجْلِ حَفْصَةَ, وَاللهِ, لَئِنْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ بِضَرْبِ عُنُقِهَا لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَهَا, وَرَفَعْتُ صَوْتِي, فَأَوْمَأَ إِلَيَّ أَنْ أَرْقَهْ, فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ فَجَلَسْتُ, فَأَدْنَى عَلَيْهِ إِزَارَهُ, وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ, وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ, فَنَظَرْتُ بِبَصَرِي فِي خِزَانَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ, فَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍِ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوِ الصَّاعِ, وَمِثْلِهَا قَرَظاً فِي نَاحِيَةِ الْغُرْفَةِ. وَإِذَا أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ. قَالَ: فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ. قَالَ: (مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ ) قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ, وَمَا لِي لَا أَبْكِي؟ وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِكَ, وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لَا أَرَى فِيهَا إِلَّا مَا أَرَى وَذَاكَ قَيْصَرُ وَكِسْرَى فِي الثِّمَارِ وَالأَنْهَارِ, وَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ وَصَفْوَتُهُ وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ, فَقَالَ: ( يَا ابْنَ الْخَطَّابِ, أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الآخِرَةُ وَلَهُمْ الدُّنْيَا؟) قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ حِينَ دَخَلْتُ وَأَنَا أَرَى فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ, مَا يَشُقُّ عَلَيْكَ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ؟ فَإِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مَعَكَ وَمَلَائِكَتَهُ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ, وَأَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَكَ. وَقَلَّمَا تَكَلَّمْتُ- وَأَحْمَدُ اللهَ- بِكَلَامٍ إِلَّا رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ اللهُ يُصَدِّقُ قَوْلِي الَّذِي أَقُولُ, وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ, آيَةُ التَّخْيِيرِ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ }[التحريم:5] { وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}[التحريم:4] وَكَانَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ وَحَفْصَةُ تَظَاهَرَانِ عَلَى سَائِرِ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ, أَطَلَّقْتَهُنَّ؟ قَالَ: (لاَ) . قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ, إِنِّي دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَالْمُسْلِمُونَ يَنْكُتُونَ بِالْحَصَى, يَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ نِسَاءَهُ. أَفَأَنْزِلُ فَأُخْبِرَهُمْ أَنَّكَ لَمْ تُطَلِّقْهُنَّ؟ قَالَ: (نَعَمْ, إِنْ شِئْتَ) فَلَمْ أَزَلْ أُحَدِّثُهُ حَتَّى تَحَسَّرَ الْغَضَبُ عَنْ وَجْهِهِ, وَحَتَّى كَشَرَ فَضِحِكَ- وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ ثَغْراً- ثُمَّ نَزَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ وَنَزَلْتُ, فَنَزَلْتُ أَتَشَبَّثُ بِالْجِذْعِ وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ كَأَنَّمَا يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا يَمَسُّهُ بِيَدِهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ, إِنَّمَا كُنْتَ فِي الْغُرْفَةِ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ. قَالَ: ( إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعاً وَعِشْرِينَ) فَقُمْتُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ. فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: لَمْ يُطَلِّقْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ نِساءَهُ. وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [النساء:83] فَكُنْتُ أَنَا اسْتَنْبَطْتُ ذَلِكَ الأَمْرَ, وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ آيَةَ التَّخْيِيرِ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

سيتم مراجعة التعليقات قبل نشرها وحذف التعليقات غير اللائقة