-
في خلافة الفاروق أصابت الناس سنة مُجدبة أخذت
الأخضر واليابس حتى سُمِّي عامها لشدة قحطه بعام الرمادة, ولما ازداد الكرب, وبلغت
القلوب الحناجر أقبلوا على عمر.
وقالوا: ياخليفة رسول الله, إنَّ السمَّاء لم تُمطر, وإنَّ الأرض لم تنبت
وقد أشفى الناس على الهلاك. فما نصنع؟! فنظر إليهم عمر بوجه عَصَره الهمُّ عصراً,
وقال: اصبروا واحتسبوا, فإني أرجو أن لا تمسوا حتى يُفرِّج الله عنكم.
فلما كان آخر النهار, وردت الأخبار بأن عيراً لعثمان بن عفان جاءت من
الشام, وأنها ستصل المدينة عند الصباح.
فما أن قُضيت صلاة الفجر حتى هبَّ الناس يستقبلون العير جماعة إثر جماعة.
وانطلق التجَّار يتلقفونها؛ فإذا هي ألف بعير قد وُسِّقَتْ بُرًّا وزيتاً
وزبيباً.
[ أشفى الناس على الهلاك: قاربوا على الهلاك, هب الناس: بادروا, وُسِّقت:
حُمِّلت]
بركت الجمال بباب عثمان بن عفان- رضي الله عنه-, وَطَفِقَ الغِلمان يُنزلون
عنها أحمالها.
فدخل التجار على عثمان وقالوا: بعنا ما وصل إليك يا أبا عمرو.
فقال: حُبًّا وكرامة؛ ولكن كم تُربحوني على شِرائي؟
فقالوا: نعطيك بالدرهم درهمين.
فقال: أُعطيت أكثر من هذا فزادوا له.
فقال: أُعطيت أكثر مما زدتموه. فزادوا له.
فقال: أُعطيت أكثر من هذا.
فقالوا: يا أبا عمرو, ليس في المدينة تجار غيرنا وما سبقنا إليك أحد. فمن
الذي أعطاك أكثر مما أعطيتنا؟!
فقال: إن الله أعطاني بكل درهم عشرة فهل عندكم زيادة؟.
قالوا: لا يا أبا عمرو.
فقال: إني أُشهد الله- تعالى- أني جعلت ما حَمَلت هذه العير صدقة على فقراء
المسلمين. لا أبتغي من أحد درهماً ولا ديناراً, وإنما أبتغي ثواب الله ورضاه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
سيتم مراجعة التعليقات قبل نشرها وحذف التعليقات غير اللائقة