-
عن أنس بن الحارث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( إن ابني هذا يقتل
بأرض من أرض العراق, فمن أدركه منكم فلينصره) فقتل أنس يعني مع الحسين بن
عليٍّ.
وخرّج أحمد عن أنس أن ملك المطر
استأذن أن يأتي النبي صلّى الله عليه وسلّم فأذن له.
فقال لأم سلمة: أملكي علينا
الباب لا يدخل علينا أحد قال: وجاء الحسين ليدخل فمنعته فوثب فدخل يقعد على ظهر
النبي- صلّى الله عليه وعلى آله وسلم- وعلى منكبيه وعلى عاتقه قال:
فقال الملك للنبي- صلّى الله
عليه وعلى آله وسلم- أتحبُّه؟
قال: (نعم).
قال: أما إن أمتَّك ستقتله وإن
شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه, فضرب بيده فجاء بطينة حمراء, فأخذتها أم سلمة
فصرتها في خمارها.
قال ثابت: بلغنا أنها كربلاء.
قال أهل التاريخ: لما مات
معاوية وأفضت الخلافة إلى يزيد, وذلك سنة ستين, ووردت البيعة على الوليد بن عتبة
بالمدينة ليأخذ البيعة إلى أهلها أرسل إلى الحسين بن عليٍّ وإلى عبد الله بن
الزُّبير ليلاً فأتي بهما فقال: بايعا, فقالا: مثلُنا لا يبايع سرًّا, ولكن نبايع
على رؤوس الناس إذا أصبحنا, فرجعا إلى بيتهما وخرجا من ليلتهما إلى مكة, وذلك ليلة
الأحد لليلتين بقيتا من رجب, فأقام الحسين بمكة شعبان, ورمضانَ, وشوالاً, وذا
القعدة, وخرج يوم التروية يريد الكوفة, فبعث عبد الله بن زياد خيلاً لمقتل الحسين,
وامَّر عليهم عمرو بن سعد بن أبي وقاص فأدركه بكربلاء.
وقيل: إن عبيد الله بن زياد كتب
إلى الحر بن يزيد الرياحي أن جعجع بالحسين.
قال أهل اللغة: أراد احبسه
وضيِّق عليه, والْجَعْجَعْ: الجَعْجَاع الموضع الضيِّق من الأرض, ثم أمده بعمرو بن
سعد في أربعة آلاف, ثم ما زال عبد الله يُزيد
العساكر ويَستفز الجماهير إلى أن بلغوا اثنين وعشرين ألفاً, وأميرهم عمرو
بن سعد ووعده أن يُملكه مدينة الريِّ فباع الفاسقُ الرُّشدَ بالغَيِّ, وفي ذلك
يقول:
أأتركُ مُـلكَ الـري والري
مـنيــــتي وأرجع مـأثومـاً بقـتل
حُــسَيــْنِ
فضيق عليه اللعين أشد تضييق وسد
بين يديه وضح الطريق إلى أن قتله يوم الجمعة وقيل: يوم السبت العاشر من محرم.
وقال ابن عبد البر في
الاستيعاب:قتل يوم الأحد لعشر مضين من المحرم بموضع من أرض الكوفة, يقال له
كربلاء, ويعرف بالطف أيضاً وعليه جُبَّة خزٍّ كفاء, وهو ابن ست وخمسين سنة. قاله
نسابة قريش الزبير بن بكار, ومولده لخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة,
وفيها كانت غزوة ذات الرقاع وفيه قصرت الصلاة, وتزوج رسول الله- صلّى الله عليه
وعلى آله وسلم- أم سلمة. واتفقوا على أنه قتل يوم عاشوراء العاشر من المحرم سنة إحدى
وستين, ويُسمى عام الحزن, وقُتل معه اثنان وثمانون رجلاً من الصحابة مبارزة, منهم:
الحر بن يزيد لأنه تاب ورجع مع الحسين, ثم قتل جميع بنيه إلا عليًّا المسمى بعد
ذلك بزين العابدين كان مريضاً أخذ أسيراً بعد قتل أبيه, وقتل أكثر إخوة الحسين
وبنو أعمامه- رضي الله عنهم- ثم أنشأ يقول:
يا عـين ابكي بعــبــرة وعـــويل وانـدبي- إن نـدبتِ آل الرســول
ســـبـــعــــة كلهــم لصُـلبْ
عليٍّ قــدْ أُصـيـبـــوا وتسـعـة لعــقــيلِ
قال جعفر الصادق: وجد بالحسين
ثلاث وثلاثون طعنة بالسيف, وأربع وثلاثون ضربة واختلفوا فيمن قتله.
فقال يحيى بن معين: أهل الكوفة
يقولون: إن الذي قتل الحسين عمرو بن سعد.
قال ابن عبد البر: إنما نسب قتل
الحسين إلى عمرو بن سعد, لأنه كان الأمير على الخيل التي أخرجها عبيد الله بن زياد
إلى قتال الحسين, وأمَّر عليهم عمرو بن سعد ووعده أن يوليه الريَّ إن ظفر بالحسين
وقتله, وكان في تلك الخيل- والله أعلم- قوم من مصر ومن اليمن.
وفي شعر سليمان بن فتنة الخزاعي
وقيل: إنها لأبي الرُّميح الخُزاعي ما يدل على الاشتراك في دم الحسين, وقيل: قتله
سنان بن أبي سنان النخعي.
وقال مصعب النسابة الثقة: قتل
الحسينَ بن علي سنانُ بن أبي النخعي وهو جدُّ شريك القاضي, ويُصدق ذلك قول الشاعر:
وأي رزية عـــدلت
حُـــســـيـناً غـــداة
تبــيــده كــفَّــا سـنان
وقال خليفة بن خياط: الذي ولي
قتل الحسين شمر بن ذي الجوشن, وأمير الجيش عمرو بن سعد, وكان شمر أبرص وأجهز عليه
خولي بن يزيد الأصبحي من حمير حز رأسه وأتى به عبيد الله بن زياد وقال:
أوْقِــر ركــابي فــضــة
وذهبــاً أني قـــتلت الملك المُحــجـــبـــا
قــتلـت خـيــر الناس أُمًّا
وأبـــاً وخـيــرُهُم إذ
ينســبــون نـسـبــاً
هذه رواية أبي عمر بن عبد البر
في الاستيعاب وقال غيره:
تولى حمل الرأس بشر بن مالك
الكندي ودخل به على ابن زياد وهو يقول:
أوْقِــر ركــابي فــضــة
وذهبــاً أني قـــتلت الملك المُحــجـــبـــا
وخـيــرُهُم إذ يذكــرون نـسـبــاً قــتلـتُ خـيـــر الناس
أُمًّا وأبـــاً
في أرض نجـــد وحِـــرَّ
ويثـــربا
فغضب ابن زياد من قوله وقال:
إذا علمت أنه كذلك فلم قتلته؟ والله لا تلق مني خيراً أبداً ولألحقنَّك به ثمَّ
قدمه فضرب عنقه.
وفي هذه الرواية اختلاف, وقد
قيل: إن يزيد بن معاوية هو الذي قتل القاتل (روى) أحمد عن ابن عباس قال: رأيت رسول
الله- - صلّى الله عليه وعلى آله وسلم- نصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم
يلتقطه ويتتبعه فيها قال: قلت يا رسول الله ما هذا؟ قال: ( دم الحسين وأصحابه
لم أزل أتبعه مُنذ اليوم ).
قال عمار: فحفظنا ذلك اليوم
فوجدناه قُتل ذلك اليوم, وهذا إسناد صحيح لا مطعن فيه.
وساق القوم حرم رسول الله- صلّى
الله عليه وعلى آله وسلم- كما تُساق الأسرى حتى إذا بلغوا بهم الكوفة خرج الناس
فجعلوا ينظرون إليهم, وفي الأسرى علي بن حسين وكان شديد المرض قد جمعت يداه إلى
عنقه, وزينب بنت علي وبنت فاطمة الزهراء, وأختها أم كلثوم, وفاطمة وسكينة بنت
الحسين وساق الظلمة والفسقة معهم رؤوس القتلة.
روى قطر عن منذر الثوري عن محمد
بن الحنفية قال: قُتِل مع الحسين سبعة عشر رجلاً كلهم من ولد فاطمة- رضي الله
عنها.
وذكر أبو عمر بن عبد البر عن
الحسن البصري قال: أصيب مع الحسين بن علي ستة عشر رجلاً ما على وجه الأرض لهم
يومئذ شبيه, وقيل: إنه قتل مع الحسين من ولده وإخوته وأهل بيته ثلاثة وعشرون
رجلاً.
وفي صحيح البخاري في المناقب عن
أنس بن مالك: أتى عبيد الله برأس الحسين, فجعل في طست, فجعل ينكت وقال في حسنه
شيئاً فقال أنس: كان أشبههم برسول الله- صلّى الله عليه وعلى آله وسلم-.
وكان مخضوباً بالوسمة يقال: نكت
في الأرض إذا أثَّر فيها
واختلف الناس في موضع الرأس المكرم؟
وأين حمل من البلاد؟
فذكر الحافظ أبو العلاء
الهمداني أن يزيد حين قدم عليه رأس الحسين بعث به إلى المدينة, فأقدم إليه عدة من
موالي بني هاشم وضم إليهم عدة من موالي أبي سفيان, ثم بعث بثقل الحسين ومن بقي من
أهله معهم وجهزهم بكل شيء ولم يدع لهم حاجة بالمدينة إلا أمر لهم بها, وبعث برأس
الحسين- رضي الله عنه- إلى عمرو بن سعيد بن العاص, وهو إذ ذاك عامله على المدينة
فقال عمرو: وددت أنه لم يبعث به إليَّ, ثم أمر عمرو بن سعيد بن العاص برأس الحسين-
رضي الله عنه- فكفِّن ودفن بالبقيع عند قبر أمه فاطمة- رضي الله عنها- وهذا أصح ما
قيل في ذلك.
ولذلك قال الزبير بن بكار: إن
الرأس حمل إلى المدينة. والزبير أعلم أهل النسب وأفضل العلماء, لهذا السبب قال:
حدثني بذلك محمد بن حسن المخزومي النسابي.
والإمامية تقول: إن الرأس أعيد
إلى الجثة بكربلاء بعد أربعين يوماً من المقتل وهو يوم معروف عندهم يسمون الزيارة
فيه زيارة الأربعين, وما ذكر أنه في عسقلان في مشهد هناك أو بالقاهرة فشيء باطل لا
يصح ولا يثبت, وقد قتل الله قاتله صبراً ولقي حزناً طويلاً وذعراً وجعل رأسه الذي
اجتمع فيه العيب والذم في الموضع الذي جعل فيه رأس الحسين, وذلك بعد قتل الحسين
بستة أعوام وبعث المختار به إلى المدينة, فوضع بين يدي بني الحسين الكرام وكذلك
عمرو ابن سعد وأصحابه اللئام ضُربت أعناقهم بالسيف وسقوا كأس الحُمام وبقي الوقوف
بين يدي الملك العلام في يوم: { يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ
فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ } [الرحمن:41]
وفي الترمذي عن عمارة بن عميرة
قال: لما أتي برأس عبيد بن زياد وأصحابه نصبت في المسجد في الرحبة فانتهيت إليهم
وهم يقولون: قد جاءت فإذا هي حية قد جاءت تخلل الرؤوس حتى دخلت في منخري عبيد
الله, فمكثت هنيهة ثم خرجت فذهبت حتى تغيبت, ثم قالوا: جاءت قد جاءت ففعلت ذلك
مرتين أو ثلاثاً.
قال العلماء: وذلك مكافأة لفعله
برأس الحسين وهي من آيات العذاب الظاهرة عليه, ثم سلط عليهم المختار فقتلهم حتى
أوردهم النار, وذلك أن الأمير مذحج بن إبراهيم بن مالك لقي عبيد الله بن زياد على
خمسة فراسخ من الموصل وعبيد الله في ثلاثة وثلاثين ألفاً وإبراهيم في أقل من عشرين
ألفاً فتطاعنوا بالرماح وتراموا بالسهام واصطفقوا بالسيوف إلى أن اختلط الظلام,
فنظر إبراهيم إلى رجل عليه بزة حسنة ودرع سابغة وعمامة خز دكناء, وديباجة خضراء,
من فوق الدرع, وقد أخرج يده من الديباجة, ورائحة المسك تُشم عليه, وفي يده صحيفة
له مذهبة, فقصده الأمير إبراهيم لا لشيء إلا لتلك الصحيفة والفرس الذي تحته, حتى
إذا لحقه لم يلبث أن ضربه ضربة كانت فيها نفسه, فتناول الصحيفة وغار الفرس فلم
يقدر عليه ولم يبصر الناس بعضهم بعضاً من شدة الظلمة, فتراجع أهل العراق إلى
عسكرهم والخيل لا تطأ إلا على القتلى فأصبح الناس وقد فقد من أهل العراق ثلاثة
وسبعون رجلاً وقتل من أهل الشام سبعون ألفاً.
فلما أصبح وجد الأمير ردَّه
عليه رجل كان أخذه, ولما علم أن الذي قُتل عبيد الله بن زياد كبَّر وخر ساجداً,
وقال: الحمد لله الذي أجرى قتله على يدي, فبعث به إلى المختار زيادة على سبعين ألف
رأس في أولها أشد رؤوس الفساد عبيد الله المنسوب إلى زياد.
وهكذا انتقم الله- سبحانه- من
قتلة سيدنا الحسين- رضي الله عنه-.
وبكت السماء يوم مقتل الحسين-
رضي الله عنه- قال محمد بن سيرين: لم تبك السماء على أحد بعد يحيى- عليه السلام-
إلا على الحسين.
والسماء تمطر دماً: تقول نضرة
الأزدية: لما أن قُتِل الحسين مطرت السماء ماءً, فأصبحت وكل شيء لنا ملآن دماً.
وعن حبيب بن أبي ثابت أن أم
سلمة سمعت نوحَ الجن على الحسين.
وعنها قالت: سمعت الجن يبكين
على حُسين, وتنوح عليه.
وهذا شاهد ممن شاهد مقتل أبي
عبيد الله:
عن يزيد بن أبي زياد, قال:
قُتِل الحسين ولي أربع عشرة سنة, وصار الورس الذي كان في عسكرهم رماداً, واحمَّرت
آفاق السماء ونحروا ناقة في عسكرهم, فكانوا يرون في لحمها النيران.
وهذا شاهد آخر: قال جميل بن
مرة: أصابوا إبلاً في عسكر الحسين يوم قُتِل, فطبخوا منها, فصارت كالعلقم.
وهكذا انتهت حياة سيد شباب أهل
الجنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
سيتم مراجعة التعليقات قبل نشرها وحذف التعليقات غير اللائقة