ما ظنُّك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما


-        عندما خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, جعل يمشي ساعة بين يديه, وساعة خلفه, حتى فطن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( يا أبا بكر, مالك تمشي ساعة خلفي, وساعة بين يدي؟).
فقال: يا رسول الله, أذكر الطَّلب, فأمشي خلفك, ثم أذكر الرَصد, فأمشي بين يديك.
[ الطَّلب: من يطلبنا والمراد المشركون].
فقال: ( يا أبا بكر, لو كان شيء لأحببت أن يكون بك دوني؟).
قال: نعم, والذي بعثك بالحق, فلما انتهينا إلى الغار قال أبو بكر: مكانك يا رسول الله حتى أستبرئ لك الغار, فدخل, فاستبرأه, حتى إذا كان ذكر أنه لم يستبرئ الجُحْرة.
[الجُحرة: مفردها جُحر وهي المكان الذي تحفره السباع والهوام لأنفسها ]
فقال: مكانك يا رسول الله, حتى أَستبرأ, فدخل, فاستبرأ, ثم قال: انزل يا رسول الله, فنزل...
وعندما دخل الصديق الغار مع سيد الأخيار. اشتدَّ به الخوف على النبي- عليه الصلاة والسلام- عندما رأى أقدام المشركين فقال- رضي الله عنه وأرضاه-: يا رسول الله, لو أنَّ أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا. فقال: ( ما ظنُّك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما). ولم يكن جهاد البطل الباسل في هذه الليلة قاصراً على الجهاد بالنفس, وإنما أخذ جميع أمواله وأنفقها على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
تقول أسماء- رضي الله عنها-: لمَّا خرج رسول الله. وخرج أبو بكر معه, احتمل أبو بكر معه ماله كله, خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم, فانطلق بها معه.
قالت: فدخل علينا جدي أبو قُحافة, وقد ذهب بصره.
فقال: والله إني لأراه فجعكم بماله مع نفسه.
قالت: قلت: كلا يا أبت, قد ترك لنا خيراً كثيراً.
قالت: فأخذت أحجاراً فجعلتها في كُوَّة في البيت- كان أبي يجعل فيها ماله -, ثم أخذتُ يده فقلتُ: ضع يا أبتِ يدك على هذا المال. قالت: فوضع يده عليه.
فقال: لا بأس, إن ترك لكم هذا فقد أحسن, وفي هذا لكم بلاغ.
قالت: ولا واللهِ ما ترك لنا شيئاً, ولكن أردتُ أن أسكن الشيخ بذلك.
[الكُوَّة: ثقب في الحائط]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

سيتم مراجعة التعليقات قبل نشرها وحذف التعليقات غير اللائقة